نسبة صاحب فكرة المشروع

في عالم الأعمال وريادة المشاريع، كثيرًا ما تنشأ الخلافات والنقاشات حول موضوع “نسبة صاحب فكرة المشروع”، أي: ما هي الحصة العادلة التي يستحقها الشخص الذي قدّم الفكرة الأساسية لمشروع أو منتج، دون أن يشارك فعليًا في التمويل أو التنفيذ؟
هذا السؤال لا يملك إجابة واحدة، بل يختلف من حالة إلى أخرى، حسب ظروف المشروع واتفاق الأطراف.

في هذا المقال، سنناقش الموضوع من كافة جوانبه:

• هل الفكرة وحدها تستحق حصة؟
• ما النسبة العادلة؟
• ماذا يقول الواقع؟
• وما الأخطاء التي يقع فيها البعض عند الدخول في شراكات غير واضحة؟

أولًا: هل الفكرة وحدها تستحق حصة في المشروع؟

الفكرة هي الشرارة الأولى التي يبدأ بها كل مشروع. قد تكون جديدة تمامًا أو تطويرًا لفكرة موجودة. لكن السؤال هنا: هل “امتلاك فكرة” فقط، دون أي مساهمة في التنفيذ أو التمويل، يكفي ليطالب صاحبها بنسبة من الأرباح أو من الشركة؟

الإجابة: نعم، ولكن بشروط.

صاحب الفكرة يستحق حصة في المشروع إذا كانت الفكرة:

• ذات قيمة واضحة (Innovative & Applicable).
• تم تقديمها بوضوح مع تفاصيل تساعد على تنفيذها.
• تم الاتفاق مسبقًا مع الشركاء على اعتبار الفكرة مساهمة في رأس المال الفكري.

أما إذا كانت الفكرة مجرد جملة عامة (مثلاً: “نعمل تطبيق يربط أصحاب المحلات بالعملاء”)، دون تطوير أو بحث أو خطة، فمن الصعب اعتبارها مساهمة كافية للحصول على نسبة.

ثانيًا: كيف تُحسب النسبة التي يستحقها صاحب الفكرة؟

لا يوجد رقم ثابت، لكن هناك نماذج منتشرة يُستعان بها، نذكر منها:

1. نموذج النسبة المبدئية:

• صاحب الفكرة: 5% – 15% من المشروع،
  بشرط أن يكون له دور واضح في تشكيل الفكرة وتوثيقها أو تقديم دراسة جدوى أولية.

2. نموذج التفاوض الكامل:

• يُعامل صاحب الفكرة كطرف شريك، ويتم التفاوض معه بحسب حجم الفكرة، قدرتها على النجاح، ومستوى مشاركته لاحقًا في المشروع.

3. نموذج المشاركة مقابل الفكرة:

• صاحب الفكرة لا يحصل على نسبة ثابتة بل يحصل على مبلغ مالي مقابل بيع الفكرة، أو نسبة من الأرباح لفترة محددة، أو حتى أسهم غير مصوتة.

ثالثًا: عوامل تؤثر في تحديد النسبة

1. قيمة الفكرة وندرتها:

كلما كانت الفكرة أكثر تميزًا واستحالة تنفيذها من قبل آخرين بسهولة، زادت قيمتها.

2. مستوى تطوير الفكرة:

هل هي مجرد فكرة عابرة؟ أم مرفقة بدراسة سوق؟ هل فيها خطة عمل أولية؟ هل تم اختبارها عمليًا؟

3. دور صاحب الفكرة بعد بدء المشروع:

هل سيتوقف دوره بمجرد طرح الفكرة؟ أم سيشارك في الإدارة، التسويق، التطوير؟

4. مقدار التمويل المطلوب:

إذا كان المشروع يتطلب تمويلًا كبيرًا، فيُرجّح أن تقل حصة صاحب الفكرة لصالح المستثمر.

5. عدد الشركاء المنفذين:

كلما زاد عدد المنفذين، توزعت النسب أكثر، مما يقلل نسبة صاحب الفكرة ما لم يكن دوره فعالًا لاحقًا.

رابعًا: النموذج الأفضل لتوزيع الحصص (مثال واقعي)

لنفترض الآتي:

• شخص لديه فكرة تطبيق لحجز الطاولات في المطاعم.
• قدّم الفكرة مع دراسة أولية للسوق وبعض التصورات.
• اتفق مع صديقين: أحدهما مبرمج سينفذ التطبيق، والثاني سيدير التسويق.

في هذه الحالة، توزيع الحصص قد يكون كالتالي:

• صاحب الفكرة: 10%
• المبرمج (المنفذ التقني): 45%
• مدير التسويق: 30%
• احتياطي للنفقات والإعلانات: 15% أو يتم الاحتفاظ به للمستثمر لاحقًا.

هذا النموذج قابل للتفاوض، لكن يُراعي أن القيمة تنتقل من الفكرة إلى التنفيذ.

خامسًا: أهم الأخطاء الشائعة في هذا الموضوع

1. الاعتماد على الوعود الشفوية
   بدون أي اتفاق مكتوب أو إيميل أو حتى رسالة واضحة، لا يمكن لصاحب الفكرة إثبات حقه إذا تم تنفيذ المشروع لاحقًا.
2. المبالغة في تقدير قيمة الفكرة
   بعض الناس يعتقد أن مجرد امتلاك فكرة يستحق به 50% أو أكثر، متجاهلًا أن التنفيذ هو الجزء الأصعب.
3. الدخول في شراكة غير واضحة المهام
   هذا يسبب صراعات في المستقبل، خصوصًا إذا لم يُحدد من سيقوم بماذا.
4. السكوت عند تنفيذ الفكرة دون إشراك صاحبها
   يحدث أحيانًا أن يُنفذ المشروع ويُقصى صاحب الفكرة. لهذا السبب، من المهم تأمين الحق قانونيًا من البداية.

سادسًا: كيف توثق حقك كصاحب فكرة؟

• سجّل فكرتك في ورقة رسمية أو بالبريد الإلكتروني.
• أرسلها للشركاء بصيغة توضح دورك وتطلب اعترافًا بمساهمتك.
• اطلب اتفاق شراكة مكتوبًا حتى وإن كان بسيطًا، يُحدد فيه نسبتك.
• استعن بمحامٍ إن أمكن، خصوصًا إذا دخلت مشروعًا برأس مال كبير.

سابعًا: خلاصة المقال

• الفكرة وحدها لا تكفي، لكن إذا كانت مبتكرة وواضحة، فهي تستحق نسبة عادلة.
• لا توجد نسبة ثابتة، لكن النسب المنطقية تتراوح بين 5% و15% في أغلب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
• التوثيق هو الضمان الوحيد لحفظ الحقوق.
• التنفيذ هو العامل الحاسم في نجاح المشاريع، لذا يُفضل لصاحب الفكرة أن يكون جزءًا من التنفيذ ليزيد من حصته وقيمته في المشروع.

ختامًا:

إذا كنت صاحب فكرة مشروع، لا تفرّط في حقك، ولا تبالغ في مطالبك. كن عادلًا، واضحًا، ومستعدًا للمساهمة بما تستطيع. أما إذا كنت منفذًا وتعرض عليك فكرة من شخص آخر، فلا تستهين بها، وكن منصفًا في التعامل معها. في النهاية، المشاريع الناجحة تبنى على التعاون والشفافية، وليس على الطمع أو الغموض.