لي كا شنغ أغنى رجل في هونج كونج! عند سماع جملة أن شخص ما ‘أغنى رجل’ يتبادر إلى أذهاننا فورًا أنه استطاع أن يحافظ على إرث عائلته ويستثمره ويزيد في الاستثمار والعمل حتى يعمل على زيادة ثروته، ولكن بعدها تكون الصدمة حين نكتشف أن ذلك الرجل كان فقير جدًا و أن ما وصل إليه ليس إلا بسبب العمل والاجتهاد، وأنه في يوم من الأيام لم يكن يمتلك قوت يومه، وها هو الآن أغنى رجل في هونج كونج! حكايتنا تبدأ مع لي كا شنغ حين وُلِدَ ٢٩يوليو ١٩٢٨ في إقليم بجنوب الصين، ثم وبسبب الحرب التي كانت ناشبة في الصين مع اليابان اضطرت عائلته للهجرة إلى هونج كونج عام ١٩٤٠، وعندما استقرت العائلة بهونج كونج حتى توفى والده بمرض السُل، مما اضطر لي كا شنغ إلى ترك مقاعد الدراسة والتفرغ للعمل حتى يستطيع أن يعول أسرته التي نال منها الفقر والجوع بعد رحيل والده، وبدأ العمل في سن الرابعة عشر.
محتويات المقال
المحن والصعوبات التي قابلها لي كا شنغ في بداية حياته:
مرض لي كا شنغ مرضًا شديدًا في بداية حياته، حين اتضح أنه مريض بالسُل مثل والده ولكن حالته لم تكون متأخرة فقضى فترة في الحجر الصحي حتى تم شفائه.
الإرادة تصنع المستحيل:
عمل لي كا شنغ في وظيفتين ليستطيع تأمين الطعام لأسرته، فكان يتوجب عليه العمل لمدة١٦ساعة يوميًا للعمل في مصنع بلاستيك، وحتى بعد إنقضاء ساعات العمل كان يذهب لمحل عمه لبيع الساعات فيه ليحصل على القدر الكافي من المال الذي يكفيه للعيش. وقد كان بلغ بالعائلة الفقر مبلغ حتى أنهم قاموا ببيع ملابس والده فور موته ليتمكنوا من الحصول على مال لشراء طعام يسد جوعهم. وكان لي كا شنغ يحلق رأسه بالكامل ليضطر إلى حلقه كل ثلاث شهور توفيرًا للمال.
بداية إنشاء شركة صناعات تشيونج كونج:
لمع اسم لي كا شنغ في مجال المبيعات والتجارة انطلاقًا من العمل بمحل عمه، كما أن عمله بمصنع البلاستيك عمل على اكتسابه خبرة كبيرة في مجال صناعة البلاستيكيات، وهذا ساعده على الترقي وتولي المزيد من المسئوليات في المصنع. واستمر هذا الحال حتى وصل إلى سن الـثاني والعشرون، وكان قد قضى ما مضى في توفير المال وتعلم المزيد عن صناعة البلاستيك إما بالقراءة أو بمراقبة العمل بالمصنع، وكان لي كا شنغ يعشق القراءة والتعلم، لأن والده كان مدرس ثم ناظر للمدرسة وكان يعمل على غرس حب التعلم والقراءة في نفس صبيه منذ صغره.
ثم بدء في الاقتراض من الأقارب والأصدقاء حتى حصل على المبلغ المطلوب وبدأ في إنشاء مصنعه الخاص الذي كان متخصص في صناعة الصابون والألعاب البلاستيكية والأمشاط، وأطلق عليه تشيونج كونج نسبة إلى أطول نهر في الصين. وكان قد بدأ برأس مال للشركة بمبلغ ٦٥٠٠دولار أمريكي، وكان لي كا شنغ في بداية تأسيسه لشركته كان يقوم بكل وظائف المصنع بنفسه، من تصليح الماكينات والتروس، وتقييد المعاملات، كما علم نفسه أصول المحاسبة، وكل ذلك من القراءة والإطلاع.
-يقول لي كا شنغ: “أول شقة اشتريتها لنفسي كانت وعمري ٢٨عامًا، وكانت سعادتي بها كبيرة للغاية”.
متابعة التطورات من أجل عمل ناجح:
كان لي كا شنغ يقوم بمتابعة الجرائد والمجلات العالمية أول بأول ليكون مواكب مع السوق العالمية ويعرف ما الجديد حول العالم، فوجد أن الطلب على الورود الصناعية البلاستيكية متزايد خصوصًا في إيطاليا، فسافر إلى غرب أوروبا لتعلم أفضل الطرق التي يمكن بها مزج الألوان أثناء صنع البلاستيك للحصول على زهور صناعية أقرب ما تكون للطبيعية.
وبعد عودته من الرحلة قرر تحويل مصنعه من صناعة اللعب البلاستيكية إلى صناعة زهور بلاستيكية فاخرة تشبه الحقيقية ولكنها بأسعار زهيدة، وهذا الأمر قد جلب عليه الخير الكثير، فقد قام بالاتفاق مع مشتري أجنبي لتوريد الزهور له وأصبح من أكبر الموردين للزهور الصناعية في آسيا وتمكن بعد ذلك من الحصول على عمالة ماهرة مما ساعد في زيادة إنتاجه.
-يقول لي كا شنغ: “كلما دخلت في صناعة ما، اشتريت كتبًا ومجلات متخصصة في هذه الصناعة، وحين أسست مصنعي للبلاستيك كنت اقرأ مجلة مودرن بلاستيكس الأمريكية الشهيرة، ومنها تعلمت الكثير عن هذه الصناعة، وهذا السوق”.
العلاقات تدوم:
يروي لي كا شنغ أنه ذات يوم طلب عميل منه إلغاء صفقة كان متفق عليها، فوافق لي على الفور دون تبرير أو طلب أي تعويض مالي، وذلك لأنه كان يرى أن بناء علاقات قوية بين الأشخاص أهم بكثير من المال، وأنه أيضًا على يقين بأنه يستطيع بيع تلك البضاعة دون خسارة. ومرت الأيام وذات يوم جاءه عميل أمريكي للتعامل معه بناء على توصية ومديح شديدين بأن هذا الرجل أهل للثقة، ولديه أفضل مصنع بلاستيك في هونح كونج، واتضح بعدها أنه شخص من الشركة التي قامت بإلغاء الصفقة، وعادت تلك الصفقة بالخير على لي كا شنغ بحيث أن مصنع لي كا شنغ قام وحده بإنتاج بضاعة لهذا العميل الأمريكي لمدة ٦شهور.
الرجل كلمة:
الوسط التجاري كله يعرف أن كلمة لي كا شنغ أفضل من ألف عقد مكتوب، فيُحكى أن هناك عميل طلب منه تصنيع منتج معين مقابل ربح ٢٠٪ من الصفقة وكان هذا الاتفاق شفهي وقد وافق لي كا شنغ، وبعدها جاء تاجر أخر وطلب منه إنتاج نفس المنتج مقابل ٣٠٪ ولكن لي ما شنغ رفض لأنه أعطى كلمة للتاجر الأول، مما أدى ترسيخ مدى بسالة وحسن معاملة لي كا شنغ. وطلب من التاجر الأخر أنت ينتظر تسعة أشهر حتى يتمكن لي كا شنغ من الانتهاء من مصنعه الجديد وبعدها يستطيع أن يقوم بتصنيع كل ما يطلبه، وعندما علم التاجر الأول بما حدث، تأثر جدًا وأصبح عميلًا لديه حتى وقتنا هذا.
فالسُمعة الجيدة هي أهم أسباب نجاح هذا الرجل العظيم.
بداية دخوله في عالم العقارات والأراضي:
بعد عدة أعوام ليست بكثيرة أصبح لي كا شنغ أكبر مورد للزهور الصناعية في آسيا، ولكن بعدها فشل في تجديد عقد إيجار مصنعه بسبب مغالة المالك عليه، فأخذ خطوة أن يبدأ بشراء أرض وبناء مصنعه عليها، ومع أنها لم تكن خطوة في الحسبان إلا إنها استطاعت أن تفتح له أبواب كثيرة في عالم العقارات، ولمّا وقت الحرب بدأ بشراء أراضي كثيرة بأسعار متدنية إيمانًا منه بأن كل شئ سيصبح على ما يرام، وبعد انتهاء الحرب بدأ في بيعه تلك الأراضي مرة أخرى.
-يقول لي كا شنغ: ” وعمري ٣٠ عام كان لدي من الثروة ما يجعلني أنا وعائلتي غير محتاجين للعمل طيلة حياتنا”.
و في عام 1971 أسس لي كا شنغ شركة تشيونج كينج وبعد مرور 8 سنوات قامت بالتوسيع و الاستحواذ على الشركة البريطانية هوتشيسون واكبو وشركة هونج كونج الكهربائية وبذلك قد خطى لي كا شنغ أولى خطواته داخل عالم الشحن و الموانئ حتى أصبح اليوم يتحكم في أكثر من 13% من صناعة حاويات الشحن في العالم، كما تستحوذ شركته على 15% من تعاملات البورصة بهونج كونج.
وفي عام 1979 أصبح لي كا شنغ من أكبر ملاك الأراضي والعقارات في هونج كونج. و بدأ يستثمر في مجالات أخرى كثيرة.
واليوم، في عام٢٠١٧ وعن عمر يناهز ٨٩سنة، تبلغ ثروة لي كا شنغ أكثر من ٣٠ مليار دولار -تقديرًا-.